مساهمة الأعلاميات في معرفة تاريخ المغرب القديم


مساهمة الأعلاميات في معرفة تاريخ المغرب القديم


مصطفى الغيثي


مقدمـــة
يجب قبل أن نتطرق إلى هذا الموضوع، أن نشير بإيجاز إلى إشكالية ترجمة المصطلحات الأجنبية إلى اللغة العربية في ميدان التاريخ وبالأخص التاريخ القديم.
نعلم جيدا الصعوبات التي تواجه المختص في هذا الميدان لنقل المعارف اللاتينية إلى اللغة العربية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمفردات وكلمات لها مدلول قانوني، إداري، أو مصطلح تاريخي، كما هو الشأن عندما ندرس الحضارة الرومانية أو الإغريقية. إلا أن إشكالية الترجمة ليست عائقا أمام البحث، بل حافزا على إغناء اللغة العربية، شريطة أن تكون الصيغة المترجمة مقبولة الشكل يراعى فيها الجانب العلمي والجانب الجمالي على حد سواء.
إن كلمة الأعلاميات هي ترجمة لكلمة "الأونوماستيك" (Onomasticon) اللاتينية والمقتبسة بدورها من اللغة الإغريقية. وتفاديا لإعطاء ترجمة تركيبية مثل "دراسة الأسماء" أو "الدراسة الأونوماستيكية"، اقترحنا أن نترجمها بالأعلاميات التي هي في الحقيقة قريبة من مصطلح الأنثروبونيمية (Anthroponymie) أكثر من مصطلح Onomasticon.
التعريف بالأعلاميات في أربع نقط كبرى:
1- يتطلب من الباحث في هذا الميدان، وخصوصا في حقل التاريخ الروماني أن تتوفر لديه نسبة كبيرة من الأسماء يمكن حصر عددها على الأقل في خمسمائة اسم. كلما ازداد العدد، يكون البحث أكثر شمولية (أي يتخذ اتجاهات متعددة في مناهج التاريخ)، كما تكون النتائج المتوخاة من هذا البحث ناجحة نسبيا.
2- إن الأعلاميات في التاريخ الروماني مرتبطة إلى حد كبير بالإبيغرافيا، بدليل أنه لا يمكن التطرق إلى الأعلاميات دون التركيز أولا على الدراسة بالإبيغرافية. فهي التي تمدنا بالمعطيات التاريخية للمنطقة في جميع نواحيها الإدارية، العسكرية، الاقتصادية، والاجتماعية. بهذه الطريقة الأولية يمكن لنا مقارنة الخصائص الإبيغرافية لكل مدينة وتأثيرها على المدينة الأخرى في هذا المجال.
3- مراعاة الجانب الباليوغرافي في هذا الصدد، أي دراسة كيفية طريقة الكتابة التي تمت بها النقائش اللاتينية.
4- تأريخ النقائش اللاتينية: يعتبر هذا العامل أحد ركائز الأعلاميات. فهو عمل مضن وشاق في بعض الأحيان إذا كانت نسبة النقائش مرتفعة، خاصة إذ علمنا أن جل النقائش اللاتينية بالمغرب (باستثناء النقائش الرسمية) لا تحمل في ثناياها تاريخا زمنيا. وللتأكيد مرة أخرى على هذا العامل الأساسي، فإنه لا يمكن مطلقا أن تكون هناك دراسة أعلامية بدون تأريخ، وإلا سيكون البحث في هذا الصدد بحثا لسنيا ويخرج عن نطاق التاريخ.
هذه هي النقط الأربع الكبرى التي يمكن الاعتماد عليها في الدراسات الأعلامية. أما بخصوص ميكنزمات الدراسة الأعلامية في موريطانيا الطنجية، فنورد البعض منها، وهي كالتالي:
1- جرد وإحصاء جميع الأسماء الواردة في النقائش اللاتينية والمجموعة في "جامع النقائش اللاتينية"، (Corpus des inscriptions antiques du Maroc) بما فيها الاسم الشخصي Praenomen، الاسم العائلي Nomen أو Gentilicium ثم اللقب Cognomen. والمعلوم أن هذه الأسماء الثلاثة هي التي تميز المواطن الروماني عن غيره وتسمى Tria nomina. وفي أواخر القرن الثالث الميلادي ظهر اسم جديد هو النبز Signum الذي سيحل تدريجيا مكان الأسماء الثلاثة؛ خاصة بعد تعميم المواطنة الرومانية على جميع السكان الأحرار فقط سنة 212م.
2- إحصاء جميع أشكال البنايات Monuments التي تحمل كتابة إبيغرافية وحصر الأسماء الواردة فيها وترتيبها.
3- مقارنة الأسماء الموجودة بالمغرب مع باقي الأسماء المسجلة في الجامع الكبير للنقائش اللاتينية Corpus Inscriptionum Latinarum، مع الإحالة إلى السنة الإبيغرافية L’Année Epigraphique عندما يستعصي الأمر أن نرى تناقضا في قراءة النقيشة.
4- تم التركيز في آخر المطاف على مقارنة الأسماء بموريطانيا الطنجية والقيصرية وكذلك إسبانيا بدون أن نغفل إيطاليا.
مجمل القول، هذه بعض التطبيقات المتبعة في دراسة الأعلام بموريطانيا الطنجية في مختلف المدن كوليلي، طنجة، بناصا، وسلا، إضافة إلى بعض النقائش المتناثرة في بعض المراكز الأثرية.
النتائج:
يمكن تصنيفها إلى نوعين:
أ‌-    النوع الأول:
1- بالنسبة للبناياتLes monuments  وجدنا اختلافا بين المدن الأثرية المغربية، فعلى سبيل المثال، فإن بناية "الصندوق" "Caisson" لا توجد إلا بمدينة وليلي وتتعلم في المدن الأخرى، وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام. إن نوع هذه البناية الجنائزية الذي يتخذ أشكالا متعددة، لم يتم استعماله إلا في أواخر القرن الثاني الميلادي وبداية القرن الثالث الميلادي. هناك عدة دراسات تحاول البحث في أصل البناية: هل هي أفريقية أم إيطالية الأصل؟
2- أما النقائش على الرخام في وليلي، فإنها لا تهم سوى النقائش الرسمية. بالمقابل نجد الرخام مستعملا في بناصا، سلا، وطنجة. هذا شيء طبيعي، حيث لم يعثر لحد الآن على محجر للرخام بمنطقة وليلي، وأغلب الظن أنه كان مستوردا.
3- كذلك في ما يخص بناية "قاعدة التمثال" "Base de statue"، فإنها شهدت استعمالا مكثفا في مدينة وليلي مع منتصف القرن الأول الميلادي وبداية القرن الثاني الميلادي، وستنمحي بالتدريج ويتقلص عددها أواخر القرن الثاني الميلادي. أما الفئة التي كانت تستعمل هذا النوع من البناية فهي بطبيعة الحال تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية نظرا لتكلفة هذه البناية من الناحية المادية.
4- أما البناية على شكل مذبح "Autel" فإنها لم تظهر على ما يبدو إلا في منتصف القرن الثاني الميلادي.
ب‌-      النوع الثاني:
بخصوص النتائج التي تهم الأعلاميات بالمغرب فهي عديدة، سواء تعلق الأمر بانتقال الأسماء وتنوعها من فئة إلى أخرى، أو بروز أسماء واختفاء أخرى حسب المقتضيات السوسيولوجية في تلك الفترة. نورد بعض المنتائج التي تهم الجانب التاريخي:
1- غياب أسماء المعتقين الذين يحملون اسم C.Iulius Iuba في مدينة وليلي بالمقارنة مع مدينة قيصرية Caesarea التي اكتشف بها عدد هائل من المعتقين الذين كانوا يعملون في بلاط العاهل يوبا الثاني. والسبب في هذا الغياب هو نتيجة حتمية، بحكم أن مدينة وليلي لم تكن عاصمة ليوبا الثاني. وهنا يجب التفريق بين الإقامة والعاصمة.
2- نسجل كذلك عدم وجود الأسماء الإمبراطورية Noms impériaux بكثرة، خاصة في ما يتعلق بالإمبراطور كلاوديوس Claudius الذي أصبح المغرب الأقصى في عهده ولاية رومانية.
3- بالنسبة لمجموعة "اليوليين" "Iulii" بالمغرب التي يرى البعض أنها اقتبست هذا الاسم من الإمبراطور أوغسطس، فهي في الحقيقة لم تظهر بشكل مكثف إلا في القرن الثالث الميلادي. إن الاسم Iulius ستحتضنه بعض العناصر المسيحية أواخر القرن السادس الميلادي وبداية القرن السابع الميلادي.
بالنسبة للتركيبة الاجتماعية لسكان المغرب، سنقتصر على بعض الملاحظات الهامة:
1- الحضور القوي لأرستقراطية سكان وليلي في النصف الثاني من القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلادي، واتخاذها أسماء لاتيني محضة. في هذه الفترة نسجل كذلك غياب الأسماء الإغريقية باستثناء اسمين: الأول ينتمي لأحد المعتقدين M.Valerius Antiochus، والثاني ينتمي إلى الفئة الأرستقراطية الحاكمة Q.Caecilius Plato. والغريب في الأمر أن هذا اللقب الإغريقي Plato نادر جدا في الإمبراطورية الرومانية ونجده ممثلا عند شخص آخر بوليلي.
2- في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، نلاحظ تراجع الفئة الأرستقراطية وبروز الطبقة الوسطى التي تضم المعتقين وأصحاب الجمعيات الحرفية والمكلفين بالسهر على عبادة الإمبراطور. كذلك نسجل في هذه الفترة ظهور الأسماء الإغريقية. ومما يثير الانتباه في هذه الفترة بالضبط، ظهور مجموعات إثنية نخص بالذكر منهم السوريين والعرب الذين كانوا يعملون في الجيش الروماني.
3- ندرة الأسماء الليبية أو البربرية بين السكان ولا نجدها إلا عند رؤساء القبائل وأبنائهم. ونضيف إليها بعض الأسماء الأخرى مثل: Pullut، Didei، Caia ou Gaia، Babus، ASABAR ?، Bebulus.
4- كذلك يلاحظ قلة الأسماء البونية ولا تتعدى في مجملها خمسة أسماء: Bargbal، Bostar، Bidbal، Matun، ونضيف إليها اسما آخر هو Idibal.
وفي الختام، لابد من الإشارة إلى أن أعلاميات موريطانيا الطنجية كانت متأثرة بأعلاميات إسبانيا، خصوصا في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي.


مواضيع مقترحة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire